
ناقش الروائي الموريتاني أحمد فال ولد الدين أطروحته للدكتوراه بعنوان: تمثلات الآخر في نصوص أب عثمان عمرو بن بحر الجاحظ".
واستعرض ولد الدين بحثه المكون من أربعة أبواب أمام لجنة النقاش بكلية الآداب، فاس- سايس، بالمملكة المغربية.
وخصص ولد الدين مدخل البحث ومقدمته لتحديد بعض المفاهيم المرتبطة بالبحث، وأولها مفهوم الآخر، عند الجاحظ؛ فالمقصود "بتمثُّلات الآخر تصويرَ أبي عثمان للآخر في عصره، وكيف عبر عن تلك الرؤية"، وهو بتعبير أخر من رآه الجاحظ "مغايرا للذات العربية أو الإسلامية من مكونات المجتمع الذي كان يعيش فيه أو يكتب عنه. سواء أكان ذلك الآخرُ قوميا، كالفرس والروم والسود، أم دينيا كأهل الكتاب والمجوس، أم جغرافيا كالأقاليم البعيدة التي تحدّث عنها وعن خصائصها في مقابل إقليم بابل العراقي حيثُ يعيش".
"الجاحظ المعاصر"
وعن أهمية الموضوع يرى ولد الدين أن راهنية الجاحظ، وحضوره في الثقافة العربية الإسلامية، بوصفه، واحدا من الأقلام التي وصل تراثها كاملا، وأثر في أجيال متعاقبة من القراء باللغة العربية، وغيرها من لغات العالم، وهو ما قاده إلى "تتتبع سرديات الجاحظ عن الآخر باعتبار تلك الصور مؤثرةً في التاريخ وفي رؤية الآخر وتخيّله، وفي النظرة إلى الذات كذلك، لأن السمات التي يخلع الفردُ على أي مُتَمثَّلٍ تعبير ممتلئ عن الخلفيات الدينية والثقافية لذلك الفرد".
كما يرى ولد الدين أن من "شروط التعافي الفكري رؤيةُ الذاتِ التاريخيةَ كما كانت، بعيدا عن تاريخ المثالب والمناقب، والاطلاع على تصوير ثقافتنا تاريخيا للآخر للاستفادة من مكامن الخطأ السالف، والتأثير في الواقع الناجز، للتعاطي -بعد ذلك- مع الآخر بوعي في عصر التواصل والهجرة هذا".
هذا إضافة إلى "ضرورةُ دراسةِ النظرة إلى الآخر في لحظة محورية من لحظات التاريخ الإسلامي هي عصر الجاحظ؛ الذي كان عصر التدوين". وضرورة "إطلاعُ الأجيالِ الشابة اليوم على البنيات الذهنية المنتجة لنمط النظرة للآخر، علّ ذلك يساهم في تصحيح نظرتهم لماضيهم وحاضرهم. فالحاضر -أحيانا- إنما هو نسيجٌ من رؤية الفرد لذاته التاريخية في النهاية".
ويعد ابن الدين الجاحظ مرآة عاكسة لحياة عصره، محللا رصينا للظواهر الاجتماعية ، فقد كان، بحسب الباحث، "كاتبا متيقظا، وناقدا حيَّ التعابير، مفتوحَ العينين على الحياة النابضة. فهو لا يكاد يدع شيئا من صور الحياة المحكية أو الواقعية يمر أمامه دون تقليبه وتحليله ورسمه وتفسيره في سياقه التاريخي والثقافي، كما تقول الدراسة. وهذا العامل يجعل التنقير في مؤلفاته في هذا الصدد أمرا شائقا".